حكايات المرتزقة في ليبيا

حكايات المرتزقة في ليبيا



ليبيا - - نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية تقريرا حول عدد من المرتزقة الذين قبض عليهم الثوار الليبيون، وجاء في التقرير: "إنهم بعبع الحرب الاهلية في ليبيا، المرتزقة الذين يقال إن معمر القذافي وظفهم من أجزاء أخرى من افريقيا لإطلاق النار على خصومه، واغتصاب النساء ونشر الرعب.
ولكن بالأمس، التقت "ذي تايمز" سبعة من المرتزقة الذين أمسك بهم الثوار في الجبل الغربي، وقد تكون محنتهم مختلفة.

هم يأتون من تشاد والسودان والجزائر. وهم يعانون من الهزال، عمال بالكاد يعرفون القراءة والكتابة، أصغرهم يبلغ الثامنة عشرة، تم إكراههم أو خداعهم للانضمام إلى القتال من أجل النظام واستخدموا كبش فداء. لم يتلقوا أي تدريب. وقد أطلقوا النار غضبا قبل أن يقبض عليهم أو يستسلموا. كانوا خائفين وحائرين، ولم يسببوا الرعب بل الشفقة.

وكون العقيد القذافي نشر هؤلاء أمر يدل على مدى تدهور حال قواته – وقد عزز هذا الانطباع خمسة من الجنود الليبيين الذين قابلتهم "ذي تايمز" في بلدتي الرجبان والزنتان بالجبل. وقد ادعوا بالمثل أنه تم خداعهم لقتال مواطنيهم واستخدموا كبش محرقة. وقد عبر البعض عن ارتياحهم بعد القبض عليهم، قائلين إن رفاقهم كانوا يتوقون للهرب.

لكن حتى الآن، ليست هناك بوادر على حدوث استسلام ضمن الدائرة المحيطة بالقذافي وقلب جيشه، بما في ذلك الكتائب الخاصة بقيادة نجليه خميس والساعدي. كان "المرتزقة" السبعة يعملون في البناء أو في المتاجر حين بدأت الثورة في شباط ، وأجبروا على الانضمام للخدمة العسكرية في آذار (مارس) أو نيسان (ابريل) حين تعمق الصراع.

محمد، 42 عاما، وهو سوداني، قال إنه تم توقيفه في طرابلس وقيل له إنه إذا لم ينضم فإنهم "سيزجون بي في السجن ويأخذون كل ما أملك، حتى هاتفي النقال". وقال محمد آخر، وهو جزائري في السادسة والعشرين، إن الكبار في قرية أوباري الجنوبية أجبروا العمال مثله على الصعود في حافلة إلى طرابلس، قائلين إنهم إذا لم يفعلوا ذلك، "فسيوضعون في السجن مباشرة".

هارون، 22 عاما، وهو تشادي، كان في سجن طرابلس بعد أن فقد بطاقة هويته، وقال: "قالوا لي سنطلق سراحك لكنك ستقاتل معنا وإلا فسوف نقتلك"، وقال أبو بكر، وهو تشادي أيضا، إنه جند عن طريق الخطأ حين سجل في مظاهرة مؤيدة للقذافي لأنه سمع أن المشاركين فيها يحصلون على 300 دينار ليبي (150 جنيه استرليني). وتم إخبارهم بأنهم سيخدمون في حواجز التفتيش. وأعطي كل منهم "أي كي 47"، وقال البعض إنهم وعدوا بالحصول على 1000 دينار شهريا. وبدلا من ذلك أرسلوا مباشرة إلى الجبل الغربي حيث كانت المعارك مستعرة. وقيل لهم إنهم كانوا يحاربون القاعدة، وقال محمد الجزائري: "صدقتهم لأنني لم أكن أعرف شيئا عما كان يجري".

ولم يصمد أي منهم أكثر من بضعة أيام قبل القبض عليهم من قبل قوات الثوار المتقدمة أو أسقطوا أسلحتهم ببساطة واستسلموا. حسين، 21 عاما، وهو تشادي، قال إنه أطلق ثلاث طلقات غضبا. وقال أبو بكر إن الثوار وجدوه مختبئا خلف جدار. وقال: "لا أعرف كيف أستخدم سلاحا. ولم أقاتل قط".

وقال الجميع إنهم خُدعوا. ومنهم اسماعيل، 30 عاما، وهو سوداني: "أنا آسف بالفعل على ما فعلته. خدعني القذافي". واصروا ، حنى عند غياب حراسهم، على أنهم كانوا يُعاملون بشكل جيد. وعندما سئلوا عما إذا شعروا بالارتياح لأنهم أسروا ـ قالوا بصوت واحد: "الحمد لله".

القصص عن المرتزقة يدعمها الجنود الليبيون الأسرى. وقال اثنان منهم محتجزان في مركز للشرطة في الرجبان، أحدهما حارس أمني عمره 24 عاما، والثاني ميكانيكي عمره 42 عاما إنه تم إقناعهما بالمشاركة في الحرب الشهر الماضي بعد أن تلقيا عرضا بالحصول على 50 دينار، وبندقية كلاشنيكوف، وحصة الربع في سيارة من طراز "شيفروليت صالون". وتم نشرهما أمام القوات النظامية، ربما لمنعهما من الهروب، وقدم لهما طعام قليل، وماء وذخيرة. وقال المجند الأصغر سنا: "كانوا يستخدموننا دروعا بشرية". وذكر جندي اسير في الخامسة والعشرين من العمركان جريحا في مستشفى الزنتان أنه تعرض "لغسيل دماغ" بحيث اعتقد ان العدو هو تنظيم "القاعدة". وأضاف إن جنودا كثيرين حاولوا الهروب، لكن عددا كبير منهم قبض عليه وتم إعدامه من جانب جنود أعلى منهم رتبة كانوا وراءهم. وردد جندي قبض عليه في الزنتان عمره 23 عاما نفس الأقوال، وأعرب عن ارتياحه لأنه وقع في الأسر. وقال: "اخترت أن أبقى هنا حتى لو أتيحت لي الفرصة للعودة إلى وحدتي".

الآلاف القليلة من الثوار في الجبل الغربي هم أقل عددا وعدة. بعضهم يحمل بنادق كلاشنيكوف، وآخرون ليس معهم سوى بنادق قديمة عمرها مائة عام استخدمها أجدادهم ضد جنود الاحتلال الإيطالي. كانوا يتوجهون للمعركة في شاحنات من طراز "كيا" أو "هونداي" مهترئة، وبأرجلهم صنادل ويرتدون بذلات رياضية، ويعطون انطباعا بالفوضى المنظمة. وقتل منهم أكثر من 150 مقاتلا، كما جرح ما لا يقل عن 600 آخرين.

ورغم إمكاناتهم المحدودة، فهم يطردون تدريجيا قوات الحكومة، ويحررون القرى المحاصرة أو التي تتعرض للقصف، ويغنمون أسلحة مع كل انتصار.

قائد ثوار منطقة الزنتان، وهو عقيد سابق في الجيش الليبي رفض ذكر اسمه، قال إن السبب في ذلك يعود جزئيا إلى معرفتهم التامة بالمنطقة الجبلية الوعرة، ولكن يرجع أيضا لروح رجال الجبال الأشداء، التواقين للحرية والكرامة.

وأضاف: "نحن لا نعرف الخوف. ونحن نؤمن بقضيتنا فإما أن ننتصر أو نموت. رجال القذافي معنوياتهم منهارة. وليست لديهم إرادة القتال، لأنه لا توجد لهم قضية".

وهؤلاء الذين لا يحملون سلاحا كانوا يقومون بدور خاص بهم. وفي أنحاء الجبل الغربي يربي الشباب لحاهم كدليل على التزامهم، ويرفضون حلقها إلا بعد الإطاحة بالقذافي. وفي الرجبان يقوم محمد زحمول، وهو سائق جرار سابق عمره 46 عاما، برسم لوحات جدارية تسخر من القذافي. وقال: "إنها وسيلة لدعم الثوار. وهي طريقتي الخاصة في القتال".

عبد الحكيم الديواني، 40 عاما، وكان عاطلا عن العمل قبل الثورة، يقوم ببساطة بطلاء جدران المباني العامة باللون الأبيض لتجميلها. وقال: "لم تكن هذه البلاد وطني من قبل. إنما كانت وطنا للقذافي".





...